سورة يونس - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


قلت: {تجري}: جملة استئنافية، أو خبر ثان لإنَّ، أو حال من الضمير المنصوب في {يهديهم}. و{دعواهم}: مبتدأ، و{سبحانك}: مقول للخبر أي: قولهم سبحانك. والتحية مأخوذة من تمني الحياة والدعاء بها، حياة تحية، ويقال للوجه: مُحيا لوقوع التحية عند رؤيته، {وآخر}: مبتدأ، و{أن الحمد لله}: خبر، وأن مخففة.
يقول الحق جل جلاله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يَهْدِيهمْ ربُّهم} أي: يسددهم {بإيمانهم}؛ بسبب إيمانهم إلى الاستقامة والنظر، أوْ إلى سلوك سبيل يؤدي إلى الجنة، أوْ إلى إدراك الحقائق العرفانية، كما قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ عَمِلَ بما علِم أَوْرَثه اللهُ علْمَ ما لَمْ يَعْلَمْ» أو لِمَا يشتهونه في الجنة، {تجري من تحتهم الأنهارُ} الأربعة، {في جنات النعيم}، {دَعْواهم فيها} أي: دعاؤهم فيها: {سبحانك اللهم} أي: اللهم إنا نسبحك تسْبيحاً. ورُوي: أن هذه الكلمة هي ثمر أهل الجنة، فإذا اشتهى احدهم شيئاً قال: سبحانك اللهم، فينزل بين يديه. رواه ابن جريج وسفيان بن عيينة.
{وتحيتُهم فيها سلام} أي: ما يحيي به بعضهم بعضاً، أو تحيّة الملائكة إياهم، أو تسليم الله تعالى عليهم فيها سلام، {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} أي: وخاتمة دعائهم في كل موطن حمده تعالى وشكره. والمعنى: أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمته وكبرياءه مجَّدوه ونعتوه بنعوت الجلال، وقدَّسُوه عند مشاهدته عن كل تماثيل وخيال، فحيَّاهم بسلام من عنده، وعندما منحهم سلامه واحلَّ عليهم رضوانه، وأدام لهم كرامته وجواره، وأراهم وجهه، حمدوه بما حمد به نفسه، فكانت بدايتهم بالتنزيه والتعظيم، وخاتمة دعائهم في كل موطن حمده وشكره على ما مكنهم فيه، من رؤية وجهه الكريم، ودوام النعيم المقيم، وسمي دعاء لأنه يستدعي المزيد من فضله. قاله المحشي.
الإشارة: إن الذين استكملوا الإيمان، وأخلصوا الأعمال، يهديهم ربهم إلى من يوصلهم إلى جنة حضرته ببركة إيمانهم، تجري من تحت أفكارهم أنهار العلوم، في جنات مشاهدة طلعته، والتنعم بأنوار معرفته، فإذا عاينوا ذلك أدهشتهم الأنوار، فبادروا إلى التنزيه والتقديس، فيجيبهم الحق تعالى بإقباله عليهم بأنوار وجهه، وأسرار ذاته، فيحمدونه ويشكرونه على ما أولاهم من سوابغ نعمته، والسكون في جوار حضرته، منحنا الله من ذلك الحظ الأوفر، آمين.


قلت: {استعجالهم}: نصب على المصدر، أي: استعجالاً مثل استعجالهم بالخير. قال البيضاوي: وضع موضع تعجيله لهم بالخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم في الخير، حتى كأن استعجالهم به تعجيل لهم. اهـ. {فَنَذَرَ}: عطف على فعل محذوف دلت عليه الشرطية، كأنه قيل: ولكن لا نعجل ولا نقضي بل نمهلهم فنذر.. إلخ.
يقول الحق جل جلاله: {ولو يعجلُ الله الناس الشرَّ} حيث يطلبونه، كقولهم: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] {ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ} [الأعراف: 77] {استعجالهم بالخير}؛ كما يعجل الله لهم الخير حين يسألونه {لقُضِيَ إليهم أجلُهُم} أي: لأميتوا وأهلكوا من ساعتهم، وقرأ ابن عباس ويعقوب: {لَقَضى} بالبناء للفاعل، أي: لقضى الله إليهم أجلهم، ولكن من حلمه الله تعالى وكرمه يُمهلهم إلى تمام أجلهم، {فَنذَرُ الذين لا يرجون لقاءنا} استدراجاً وإمهالاً {في طغيانهم يعمهون}: يتحيرون. والعمه: الخبط في الضلال، وهذا التفسير أليق بمناسبة الكلام، وقيل: نزلت في دعاء الإنسان على نفسه وماله بالشر، أي: لو عجل اللهُ للناس الشر كما يحبون تعجيل الخير لهلكوا سريعاً، فهو كقوله: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير} [الإسراء: 11] ويكون قوله: {فنذر...} إلخ استئنافاً. والله تعالى أعلم.
الإشارة: من حلمه تعالى وسعة جوده أنه لا يعامل عبده بما يستحقه من العقاب، ولا يعاجله بما يطلبه إن لم يكن فيه سداد وصواب، حُكي أن رجلاً قال لبعض الأنبياء عليهم السلام: قل لربي: كم أعصيه وأخالفه ولم يعاقبني، فأوحى الله إلى ذلك النبي: ليعلم أني أنا وأنت أنت. اهـ. بل من عظيم كرمه تعالى أنه قد يعامل السائرين بعكس ما يستحقونه في جانب المخالفة؛ فقد تهوى بهم أنفسهم إلى مقام الخفض فيرتفعون، وإلى مقام البُعد فيقتربون، وهذا في قوم سبقت لهم العناية، فلم تضرهم الجناية، وحفت بهم الرعاية، فلم تستهوهم الغواية، إذا صدرت منهم المخالفة ندموا وانكسروا. والغالب فيمن كانت تحت جناح الأولياء الكبار أن يسلك به هذا المسلك العظيم وما ذلك على الله بعزيز.


قلت: {لجنبه}: متعلق بحال محذوفة، أي: مضطجعاً لجنبه، و{كأن} مخففة.
يقول الحق جل جلاله: {وإذا مسَّ الإنسان الضُّرُّ} في بدنه أو ماله أو أحبابه، {دعانا} لإزالته مخلصاً فيه، وتضرع إلينا حال كونه مضطجعاً {لجَنْبِه أو قاعداً أو قائماً}، وفائدة الترديد تقسم الدعاء لجميع الأحوال أو لأصناف المضار، {فلما كشفنا عنه ضُرَّه مرَّ} أي: مضى على طريقه واستمر على كفره، ولم يشكر الله على دفعه، أو مرَّ عن موقف الدعاء، ولم يرجع إليه. {كأن لم يَدْعُنَا} أي: كأنه لم يدعنا {إلى} كشف {ضُرّ مسَّهُ} قط: {نَسِيَ مَا كَانَ يدعوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} [الزمر: 8] {كذلك زُيّنَ للمسرفين} أي: مثل هذا التزيين زين للمسرفين {ما كانوا يعلمون} من الانهماك في الشهوات، والإعراض عن شكر المنعم عند المسرات وذهاب العاهات.
وفي الآية تهديد لمن تشبه بهذه الحالة، بل الواجب على العبد دوام التجائه إلى ربه، والشكر له عند ظهور إجابته وإسدال عافيته.
الإشارة: من حسن الأدب؛ السكون تحت مجاري الأقدار، والتسليم لأحكام الواحد القهار، فليس الشأن تُرزق الطلب، إنما الشأن أن تُرزق حسن الأدب، وحسن الأدب: هو الفهم عن الله؛ فإذا شرح صدرك للدعاء، فادع ولا تكثر، فإن المدعو قريب، ليس بغافل فيُنبه، ولا ببعيد فتنادي عليه، فإذا دعوته وأجابك فاشكره، وإن أخَّر عنك الإجابة فاصبر؛ فقد ضمن الإجابة فيما يريد، لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد. والله تعالى أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8